الـمـــربـــون وعـــــالــــم الانـتــرنــيـــــــــت
مازال بعـض الآباء يراهنـون في ضـمان نجـاح أبنـائـهـم على المـفـهـوم التقلـيـدي للتعـليـم ، ويرفضون تقنـيات التعليـم أو التعـلم الإلكتروني عبر الصورة وشـاشـة الحاسـوب التي حلـت محل الدفتر والسبورة والمعلم المتشدد ، ويصر الذين وفروا لأبنائهم خدمة الانترنيت المنزلي أنهم ذهـبوا ضحـية الفـضول وحب المعـرفـة حيث لم يحـتاجـوا إلى أكـثر مـن ضربـة زر أو الضغط على الفأرة ليـصلوا إلى ما يريـدون من استعمـالات ألهـتهم عن دراسـتهم وهو ما دفع هؤلاء الآباء إلى أن يتأسفـوا على نمـط تعليم تقليدي يحتـضر الآن ولم يعد بالإمكان استعادة سطوته القديمة .
يلجأ الأبناء إلى عالم الانترنيت ، يكتشفون فيه إمكاناته اللانهائية فيستهويهم ويقلب عقولهم ، ليدفعهم دفعا غير مرئي ولا مجسد في شخص أو جهة ما ، اٍلى أن ينفصلوا عن عالم أبائهم الضارب في العـتاقة، وتقف عقـولهـم الطـرية على لا جـدوى خـطـابات الكـبار الوعـظـية وإرشاداتهم الجوفاء وهم يسعون يائسين إلى استفـادة فلذات أكبادهم من شاشـات الحواسيـب اللعينة التي سرقت الأبناء والبنات منهم من خلال إعادة إنتاج القيم التي رباهم آباؤهم على صراطها المستـقيم ، في زمـان لم يكن يعرف حضور الشاشة السـحرية بين أفـراد الأسرة . مواعظ وإرشادات لم تعد تجد من يتجاوز الانتماءات الثقافية المـحلية ، ليندمج في مفـهوم كوني للآدمي الذي صار كائنا افتراضيا لا يوجد فعليا إلا إذا أخذ مكانته واستوى في جلسته أمام شاشة الحاسوب ولوحة أزراره العجيبة .
يختار الآباء سياسة المنع في اللحظة التي يضيق خيالـهم فيتـحولون إلى سلـطة قهرية ترى أن الحل الوحيد يتمثل في أن تصدر التحكيمة الأبوية الاستثنائية حكم حرمان الأبناء والبنات من التمتع بخاصيات الجيشـية الإلكـترونية ومزاياها الافـتراضية درءا للـضرر وإيقاف نزيف تردي المستوى التعليمي التقليدي الذي درسوا على منواله في عصر ماقبل شيكة الانترنيت .
زيادة على ذلك أكدت دراسة حديثة أجراها باحثون مهتمون بهذا المجال أن الاستخدام المتزايد بالانترنيت وقضاء ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر قد يفقدان الفرد أصدقاؤه والمقربين منه ، وهذا ينعكس بطريقة مباشرة على العلاقات الاجتماعية والأسرية مما يؤدي إلى التفكك والعزلة .
***************************************9
التكنولوجيا
إذا ألقينا نظرة سريعة على المجتمع الحديث ، نجد أنه يرتكز على التكنولوجيا ارتكازا أساسيا في شؤون معيشته ، ويتطلع إليها دائما لزيادة الإنتاج ، وتحسين نوعيته وتعميم خيراته على الناس ، فالسيارة والطائرة والراديو ، وما إٍلى ذلك من الأدوات الكهربائية والإلكترونية ، ومشاكلها ثابتة الفوائد العملية بشكل تلقائي . وكذلك القول عن التكنولوجيا الطبية المعروفة بالأشعة السينية .
هذه الأمثلة كلها عبارة عن وميض من فيض التكنولوجيا المعروفة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ، وليس من العجيب والحالة هذه ، أن يقال بأن التكنولوجيا زلزلت الدنيا وصنعت العالم الحديث في ميادين الصناعة والزراعة والخدمات ، فاستعمالها باد للعيان في المكننة الزراعية والصناعية وأثرها واضح في التجارة والصحة والسكن والمواصلات والإعلام .
الثـورة المعلوماتية والتأقـلم معـها
حققت البشرية مع ثورة المعلومات ثورتها الثالثة ، وانتقلت نتيجة هذه الثورة من حال سياسي واقتصادي واجتماعي وإنساني إلى حال أخرى شديدة الاختلاف ، فقد تطورت معارف الأفراد ووعيهم مرت عديدة في سنوات قليلة ، وأدت ثورة المعلومات ووسائلها التقنية إلى وضع النتاج المعلوماتي والعلمي والثقافي والاقتصادي والإنساني بين يدي كل فرد يرغب في الاطلاع عليه ، وأتاحت للشعوب الفقيرة الوصول إلى ثروة معلوماتية غير مسبوقة ، وتحقق تواصل فوري وسريع وآني بين الأفراد بعضهم مع البعض الأخر وبينهم وبين مراكز الأبحاث الدراسات والمعلومات ، وأهلهم للوصول في التو واللحظة إلى آخر النتاج العلمي في أي مكان كان ، كما أتاحت لهم الاٍطلاع على حياة الآخرين من أفراد وشعوب في أقصى أقاصي الأرض وعلى خبراتهم تجاربهم ومشكلاتهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم ، ووضعت الصحافة والكتب والحركة الثقافية والفكرية بين يدي الجميع ، وحولت العالم فعلا إلى قرية صغيرة لا سر فيها ، وفي خلاصة أوجدت إمكانيات عملية وفكرية هائلة يمكن لكل فرد في عالمنا أن يستفيد منها بدون عناء .
لكن هذا التطور غير المحدود وضع الشعوب الفقيرة والمتخلفة وعالمنا كله أمام مشكلات جديدة ، تقيد الشعوب الفقيرة بأكثر مما تطلق يدها ، وتزيد تخلفها أمام التطور العالمي بأكثر مما تساعد على تطورها ، وتوسع الفجوة بينها وبين البلدان المتقدمة رغم ردمها فجوات تطور سابقة ، ومع أن البلدان المتخلفة تسير إلى الأمام إلا أن الفجوة تتسع يوما وراء يوم حتى غدت مشكلة شديدة التعقيد متعددة الأبعاد ذات تأثير على مختلف مناحي الحياة . اٍن القضية ليست قضية تقنية فقط ، أو امتلاك أجهزة حواسيب بنسب مرتفعة قياسا لعدد السكان أو حتى استخدام هذه الحواسيب على نطاق واسع ، إنما هي في إنتاج المعلومات والقدرة على تخزينها في مراكز معلومات وأبحاث ، والحق في إدارتها فضلا عن وجود قوانين تسمح بحرية الاتصال والتواصل والحصول على المعلومات وتداولها ، ومحو الأمية المعلوماتية ، و إيجاد الظرف الاٍقتصادي المواتي لإمكانيات استخدامها ، إضافة لشروط أخرى عديدة تتعلق بمرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري في أي بلد من البلدان ، ولا تنفع المؤتمرات في ردم الفجوة المعلوماتية والرقمية أو إتاحة الفرصة للبلدان النامية لتكون شريكا متكافئا .
إن العرب معنيون كغيرهم من البلدان النامية بردم الفجوة المعلوماتية التي نشأت خلال الثلاثين عاما الماضية ، لكن المشكلة قد تكون عربيا أكثر تعقيدا و(إيلاما) فمازالت البلدان العربية لم تستطع محو الأمية (الألف بائية) حتى الآن فداهمتها ثورة المعلومات ووجدت نفسها تواجه الأمية الثانية ، فازداد العبء وتضاعفت المصاعب ، وإن كانت الأمية الأولى (الألف بائية) قد أبعدت شرائح كبرى من المجتمعات العربية عن المساهمة في عملية التنمية ، فإن الأمية الثانية كفيلة بتأخير تطورها الجدي وإفشال مشاريع التنمية مهما كانت مصادر دخلها كبيرة ومواردها الأولية غزيرة ، ذلك إن عصرنا هو عصر المعلومات فإما أن نشارك في إنتاجها وتداولها أو نفشل في جوانب التطور المختلفة ، ونتحول إلى مستهلك لما ينتجه .
مازالت البلدان العربية في مؤخرة دول العالم في امتلاك مراكز الدراسات والمعلومات وتعتمد على مراكز الآخرين ، وهذه لن تعطي كل ما عندها ، ولن تسمح لأحد باستخدامها إلا بجرعة لا تسد رمق الحاجة الواسعة والملحة للمعرفة ، في الوقت الذي لا يمكن أن تكون تلك الدراسات بعيدة عن وجهة نظر الدارسين وأهوائهم ، مما يجبرنا عن قبول ما لا يجب أن نقبله خاصة في القضايا الإنسانية والتاريخية ، ويحولنا إلى ملتقطي فتات ما يقدمه الآخرون ، ولن نجد أحدا يدرس قضايانا كما نحب أو نحتاج بل حتى كما يقتضيه البحث العلمي إن لم ندرسها نحن بأنفسنا وما حك جلدك مثل ظفرك .
بعض هفوات الانترنيت
يمثل اكتشاف الانترنيت ثورة هائلة في عالم الكمبيوتر والاتصال. إذ تجتمع فيها قدرات وإمكانات الاختراعات السابقة لها . وقد تطلب تحقيق هذا الاٍنجاز تضافر جهود أعداد كبيرة من العلماء والتكنولوجيين والباحثين ورجال الصناعة ، وروعي في تحقيق هذا الاٍنجاز الاسترشاد بأربعة أبعاد متفاعلة ، حددها 'ياري لاينر' وزملاؤه في نشرة بعنوان 'التاريخ موجز للانترنيت ' وهذه الأبعاد الأربعة المتكاملة هي : البعد التكنولوجي المتمثل في ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال ، والتقدم الخطير الذي أحرزه البحث العلمي في هذه المجالات الواسعة المتعددة ، والبعد التنظيمي والإداري المتعلق بأسلوب إدارة الانترنيت ، ووضع السياسة العامة الموجهة لأنشطتها وعملياتها وخدماتها المختلفة ، والبد الاجتماعي الخاص بتقوية وتوطيد العلاقات بين مختلف الأطراف التي تستخدم الانترنيت في مجال لتراسل ، وكذلك تحقيق التعاون بين الفئات العديدة التي تعمل في مجال تكنولوجيا الاتصال ، التي تؤلف البناء التحتي للانترنيت ، والبعد التجاري الذي يستهدف تسويق نتائج البحث والمعلومات والبرمجيات بحيث أصبحت الانترنيت الآن الأداة الرئيسية والأكثر انتشارا في مجال المعلومات على مستوى العالم . ولا تزال تحرز طيلة الوقت مزيدا من التقدم والانتشار وارتياد ميادين جديدة مثل التجارة الالكترونية .
بيد أن هناك بعض المثالب التي تؤخذ على الانترنيت ، أشارت إليها 'دي بورا صويار' في مقال لها حيث تقول : إن قدرا كبيرا من المعلومات التي تقدمها لا يمكن الاعتداد بصدقها ، وإن من الصعب الحكم على مدى دقة هذه المعلومات ، لأنها لا تخضع للمراقبة أو المراجعة وإن ما يؤسف له كون الناس يقبلون هذه المعلومات على علاتها ، بل يعملون على نشرها وترديدها . وترى الكاتبة أنه في الوقت الذي تزداد تفاهتها ثم أن هناك في رأيها أيضا مشكلة ازدياد الحواجز والعوائق التي تعزل الأشخاص الذين يدمنون الانترنيت عن المحيط الاجتماعي الذي يعيشون فيه رغم ما قد يكون بينهم من اتصال عن طريق البريد الالكتروني ، الذي يفتقر اٍلى دفء العلاقات الحميمية المرتبطة بالمقابلة المباشرة .
وعلى الرغم من ازدياد الإقبال على الانترنيت ، فلا تزال غالبية سكان العالم محرومة ن هذه الخدمات ، مما يؤدي إلى فجوة رقمية بين الأجيال ، حيث يتفوق الأبناء على آبائهم في المهارات الخاصة بالكمبيوتر والانترنيت ، لأن الأجيال السابقة تجد من الصعب عليها تغيير عاداتها الراسخة في التفكير والعمل . ولذا كان لابد من الوصول إلى حل لمشكلة الفجوة الرقمية عن طريق نشر ثقافة الانترنيت للجميع .
كيفية نقل التكنولوجيا
من بين الأمثلة الصارخة للتكنولوجيا الحديثة ذلك الانتشار السريع للآلات الحاسبة اليدوية والعقول الإلكترونية ، والملاحظ أن أكثر هذه الأجهزة تقدما والتي يقل ثمنها عن ألف دولار
و ستكون أرخص كثيرا مع الأيام هي الأجهزة التي يمكن برمجتها برمجة كاملة ولها تقريبا عشر ذاكرات وطاقة تعمل أكثر من مائة عملية.
وتشبه هذه الحواسيب الإلكترونية من نواح كثيرة في أداتها وطاقتها آلات كانت منذ فترة تقل عن عشرين عاما تشغل مساحة تتراوح ما بين ألفين وخمسة ألاف قدم مسطح وتكلف ما يزيد على مليون دولارو تحتاج إلى طاقم يتألف من خمس إلى عشرة أشخاص لتشغيلها ، وأضحت التكنولوجيا المتقدمة اليوم أمرا ميسورا لكل بلد من بلدان العالم تستطيع اليوم أي دولة شراء هذه التكنولوجيا وتشغيلها والانتفاع بها لسنوات طويلة دون جهد سابق أو تدريب متميز مثل أجهزة الراديو الترانزستور والتلفزيون وهواتف المنازل والمضادات الجوية وأجهزة الأشعة السينية .
ولعل الأهم من ذلك أننا نعرف الآن كيف تنقل التكنولوجيا الزراعية التي تنتج وذات المستوى الرفيع.
حقا ليس من السهل في الحالات كثيرة نقل مثل هذه التكنولوجيا مباشرة من العالم المتقدم إلى بلد نام له خصائص مميزة إذ يجب تهيئ البحث المحلي أول الأمر المعلومات المختلفة اللازمة للزراعة المحلية كما يجب على البلد أيضا أن يقيم البنية التحتية والمؤسسات الملائمة
و ينبغي كذلك في الوقت ذاته أن تكون لدينا القدرة الكافية على صياغة البرامج الضرورية والكافية من أجل هذه البرامج المهمة.